الخميس, 17 سبتمبر 2009
عدنان كامل صلاح
من العادات غير المستحبة القبلات التي نطبعها على خــــدود بعضنا البعض، تعبيراً عن الود والحميمية، ونسهل بها انتقال الأمراض من شخص لآخر.. إلا أن الكثيرين، إذا لم نقل الجميع، يجدون صعوبة في التخلي عنها.. فأنت تخشى إن لم تطبع على خد صديقك القبلة المعهودة أن يعتقد أن صداقتكما مهدده، وكذلك الأمر بشأن قريبك.. كما أنك إن أبعدت من أراد تقبيلك عنك واعتذرت له، أو لم تعتذر، عن تلقى القبلة فقد يعتقد أن هذا تصرف غير ودي منك.. لكن (انفلونزا الخنازير) تجعل التقبيل خطراً على الصحة العامة أكثر مما كان عليه في السابق، كونها وباء وليس مجرد انفلونزا عادية كما يعتقد البعض. وحاول الصديق الدكتور سهيل قاضي معالجة هذا الأمر عبر اقتراحه إنشاء هيئة خاصة للتوعية بمخاطر التقبيل، وذلك في عموده الأسبوعي «شذرات» بجريدة (المدينة)، وأضاف إلى ذلك الدعوة إلى «هدنة لإيقاف القبلات لمدة عام» بسبب تفشي (انفلونزا الخنازير).. وعسى أن يجد اقتراحه آذاناً صاغية، فحتى الفرنسيون الذين يحبون تبادل القبلات تنبهوا لمخاطر التقبيل بين الرجال وبدأوا بشن حملة وطنيه للنصح بالتخلي عن هذه العادة.
الحملة العالمية التي قادتها «منظمة الصحة العالمية» للتنبيه لمخاطر تفشي وباء (انفلونزا الخنازير) تواجه في بلادنا ردود أفعال غير صحية.. فالبعض يتحدث عن أن هذا لا يزيد عن كونه انفلونزا أخرى وليس بالخطر الذي يتم التهويل به، بينما يقول آخرون أن تضخيم مخاطر هذه الأنفلونزا نابع من جشع شركات تصنيع الأدوية التي تبحث عن أسواق لأدويتها في الدول التي تملك فوائض الأموال بإيهامها أن هذه الانفلونزا هي وباء خطير..
فرنسا أعلنت أنها تريد تطعيم (64) مليون شخص ضد (انفلونزا الخنازير)، بينما ذكرت أميركا أن الفيروس ينشط الآن في كل الولايات الأمريكية الخمسين، وأنها تنوي تطعيم نصف سكانها.. وفي بريطانيا كانت الهيئات الصحية تسجل مائة ألف حالة جديدة كل أسبوع خلال شهر يوليو، ثم توقفت عن إعلان الحالات الجديدة خشية انتشار الذعر بين الناس.. وإذا كانت تقديرات «منظمة الصحة العالمية» دقيقة فإن ما بين بليون وثلاثة بلايين من سكان الأرض سيصابون بهذا الفيروس.
وصحيح أن معظم الذي سيصابون بأنفلونزا الخنازير لن يواجهوا مخاطر تهدد حياتهم، سوى قضاء بضعة أيام على السرير وتناول الكثير من السوائل، إلا أن هناك العديدين ممن ستشكل إصابتهم بهذا الفيروس مخاطر على حياتهم إذا لم تتم العناية بهم ووقايتهم مما ينتج عن هذه الإصابة.. وتحذر كثير من المنظمات الصحية العالمية من مخاطر تفشي المرض وتحوله إلى وباء، مما أوصل السلطات في بريطانيا إلى تحديد مواقع لمقابر جماعية في حال تطلب الأمر ذلك.
وبعكس الانفلونزا السابقة، بمختلف أسمائها وتركيبتها، فإن (انفلونزا الخنازير) ظهرت في الصيف، بينما تظهر الأنفلونزا عادة في الشتاء، وانتشرت بشكل واسع في بريطانيا خلال هذه الشهور، ولم تنتقل بنفس الشكل المكثف إلى باقي أوروبا.. ووجد الأطباء أن بعض المصابين بها لا ترتفع درجة حرارتهم، مما يجعل التشخيص المبكر صعباْ.. وتقول شركات الأدوية أنها ستنتج تسعمائة مليون جرعة سنوياْ لمكافحة الفيروس بشكله الحالي، وستزيد هذه الجرعات بعدة ملايين بعد إعلان وكيلة وزارة الصحة الأمريكية في لقاء لها مع مسؤولين صحيين في مجموعة السبع (الولايات المتحدة وبريطانيا والمانيا وفرنسا وايطاليا واليابان وكندا) عن لقاح جديد من جرعة واحده لاكتساب (الراشدين) مناعة ضد انفلونزا الخنازير.
بناء على احصائيات قدمتها الهيئات الصحية الأمريكية فإن هذا الفيروس يستهدف المجموعات العمرية المختلفة بالشكل التالي: 31 بالمائة ما بين 18 إلى 49 سنة و22 بالمائة الأطفال حتى سن الرابعة، و19 بالمائة الأطفال من 5 إلى 9 سنوات، و15 بالمائة من 10 حتى 17 سنة و10 بالمائة للأشخاص من 50 حتى 64 و3% من زاد عمرهم عن ذلك.. مما يشير إلى أن الأطفال والشباب معرضـــــون أكثر مـــن غيرهم لهذا المرض (ربما بسبب اختلاطــهم ببعضهم وتجمعاتهم). وستكون وزارة التربية والتعليم لدينا في واجهة الأحداث فيما إذا انتشرت (أنفلونزا الخنازير)، بل أنها من الآن تواجه قلق الآباء والأمهات على أطفالهم، وشكوك البعض فيما إذا كان من الأفضل فتح المدارس في موعدها أم تأجيل ذلك. ولن يكون التأجيل مجدياْ بل سيضر بأطفالنا، إلا أن التنسيق داخل الوزارة نفسها وفيما بينها ووزارة الصحة سيكون مهماً جداً في المستقبل، أكان عندما يتوفر التطعيم أو عند ظهور الأنفلونزا في إحدى المدارس.
يتبين حتى الآن أن الدول الأوروبية وغيرها من البلاد التي تشتد فيها البرودة ستتعرض لهجمة فيروسية قاسية، ولكن الوفيات التي حدثت لدينا وعند جيران لنا لا تبشرنا بأن هذا الفيروس سوف يستثني البلاد الحارة. وتتراوح التقديرات حول من يموتون سنوياْ في العالم بسبب فيروس الانفلونزا الموسمي ما بين ربع مليون إلى نصف مليون شخص، ولا يستبعد أن يتضاعف هذا الرقم عدة مرات فيما إذا تحول الفيروس الحالي إلى وباء حقاً.. ومطلوب توعية الناس ليس بمخاطر هذا الفيروس وإنما بأفضل السبل لمواجهته وأن يجرى تكثيف حملات التوعية هذه لأن جزءاً منها سيكون ضمن التوعية الصحية العامة المفيدة في كل الأوقات والظروف.
ص. ب 2.48 جدة 21451